2025-09-01
المسجد النبوي
عبدالرزاق البدر

(1) الإيمان باليوم الآخر

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علمًا، وأصلح لنا إلهنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عينٍ.

أما بعد:

الإيمان باليوم الآخر أصلٌ من أصول الإيمان

فإن الإيمان باليوم الآخر أصلٌ من أصول الإيمان، وركنٌ من أركان الدين؛ ذلك أن دين الله الذي رضيه لعباده -جل في علاه- يقوم على أصولٍ يُبنى عليها؛ هذه الأصول تُسمُّى "أصول الإيمان"، تُسمُّى "أركان الدين"، وكلها أصولٌ عظيمةٌ متينةٌ، لا قيام لدين الله جل وعلا إلا عليها.

وقد جُمعت هذه الأصول في بعض الآيات؛ مثل قوله : لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ [البقرة:177]، وقوله جل وعلا: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة:285]، وقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا [النساء:136]، فهذه جمعت هذه الأصول.

وكذلك أوائل سورة البقرة: هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ۝ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ، هذه يدخل فيها أصول الإيمان: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ۝ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ۝ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة:3-5]، وفي الحديث المشهور -حديث جبريل ، وهو في الصحيح- لما سأل النبيَّ عن الإيمان، قال: أخبرني عن الإيمان، قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وأن تُؤمن بالقدر خيره وشره ((رواه البخاري:50، ومسلم:8، بنحوه.)).

الحاصل: أن دين الله تبارك وتعالى يقوم على أصولٍ عظيمةٍ، وأسسٍ متينةٍ لا قيام للدين إلا عليها، تُسمى "أصول الإيمان".

من هذه الأصول: الإيمان باليوم الآخر، وهو موضوع حديثنا في هذه الليلة، يوم الجزاء والمحاسبة على الأعمال، وهما يومان: يوم الدنيا، واليوم الآخر؛ يوم الدنيا الذي هو يوم العمل، واليوم الآخر هو يوم الجزاء على العمل؛ كما قال عليٌّ : "ارتحلتْ الآخرة مقبلةً، وارتحلت الدنيا مدبرةً، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا؛ فإن اليوم عملٌ ولا حساب، وغدًا حسابٌ ولا عمل" ((رواه البخاري معلقًا: 5/ 2359.))، فالدنيا هي دار العمل، والآخرة هي دار الجزاء على العمل؛ كما قال الله : لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [النجم:31].

وهذا الإيمان بهذا الأصل العظيم، وحضور هذا الأصل في القلب، وانطواء القلب على اعتقاده والإيمان به، له أثره العظيم في زكاء العبد واستقامته وصلاح أمره.

وكان من آخر ما نزل على رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه، بل آخر ما نزل: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ [البقرة:281]؛ ولهذا كان من أعظم ما ينبغي أن يُعنى به المسلم: هذا الإيمان العظيم بأصول الإيمان، ومنها إيمانه باليوم الآخر.

مشاهد الحج تذكر بيوم القيامة

الحاج الذي قضى هذه الأيام -حجاج بيت الله - طاعتهم، وتقربوا إلى الله بهذه الطاعة، الحج نفسه فيه أشياء تُذكِّر باليوم الآخر، وقد ختم الله آيات الحج بقوله: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [البقرة:203]، خَتَم آيات الحج في سورة البقرة بقوله: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ، وهذا أمر ينبغي أن يرجع به الحاج معه إلى بلده، ما هو؟ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ، العلم بالحشر والجزاء والحساب، هذا علمٌ عظيمٌ جدًّا.

خُتمت آيات الحج بقوله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ، يعني: ارجع -أيها الحاج- إلى بلدك وأنت عندك علمٌ وعنايةٌ بهذا العلم: علم الحشر، وعلم البعث، وعلم الحساب، وعلم الجزاء والجنة والنار، هذا علمٌ مهمٌّ، هذا من العلوم المهمة التي ينبغي أن تَعظُم عناية كل مسلمٍ بها، ودُعي كل حاجٍّ أن يرجع إلى بلده معتنيًا بهذا الأمر العظيم: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ.

الحكمة من تعدد أسماء اليوم الآخر

اليوم الآخر، هذا يومٌ عظيمٌ فيه أهوالٌ، وفيه شدائد، وفيه فوزٌ، وفيه خسرانٌ؛ ولهذا كثرت في النصوص أسماؤه؛ لكثرة أوصافه، فهو اليوم الآخر، ويوم الجزاء، ويوم الحساب، والحاقة، والقارعة، والصاخة، والطامة، ويوم التناد، ويوم البعث، ويوم النشور، وهكذا تجد له أسماء كثيرةً جدًّا في نصوص القرآن والسنة، وكثرة أسمائه؛ لكثرة أوصافه؛ لأن كل اسمٍ من أسماء اليوم الآخر يدل على صفاتٍ تتعلق بذلك اليوم العظيم.

الإيمان بكل ما أخبر به مما يكون بعد الموت

والإيمان باليوم الآخر: هو الإيمان بكل ما يكون بعد الموت؛ لأن الموت -الذي هو خروج الروح من الجسد- يُعتبر فيصلًا بين الدنيا والآخرة، فالذي خرجت روحه يُعتبر بذلك خرج من الدنيا، وفي الوقت نفسه ماذا؟ دخل في الآخرة، بمجرد خروج الروح؛ يُصبح الإنسان بخروج روحه قد خرج من الدنيا، انتهت الدنيا ودخل في الآخرة؛ ولهذا العلماء يقولون: "من مات؛ قامت قيامته"، يعني: بدأت آخرته وانتهت دنياه، انتهى العمل، انتهت فرصة العمل.

الدنيا هي دار العمل، فرصة العمل مهيأةٌ للعبد إلى أن تخرج الروح، إذا خرجت الروح؛ انتهى العمل وبدأ أمر الجزاء والحساب؛ ولهذا جاء في السنن من حديث عثمان  أن النبي قال: إن القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا فيه؛ كان ما بعده أيسر، ومن لم ينجُ فيه؛ كان ما بعده أشق ((رواه ابن ماجه: 4267، والبيهقي: 7064، بنحوه، وحسنه الألباني.))؛ ولهذا القبر فيه جزاءٌ وفيه حسابٌ، وفيه نعيمٌ وفيه عذابٌ؛ إما أن يكون روضةً من رياض الجنة، أو حفرةً من حفر النار.

والإيمان باليوم الآخر: هو الإيمان بكل ما يكون بعد الموت؛ لأنَّا عرفنا أن اليوم الآخر يبدأ بالموت، فكل ما يكون بعد الموت فهو من الإيمان باليوم الآخر، فيشمل: فتنة القبر، ونعيم القبر، وعذاب القبر، ويشمل ما بعد ذلك: البعث والنشور والحشر، إلى غير ذلك من التفاصيل التي وردت في ذلك في كتاب الله  وسنة نبيه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

الفتنة التي تكون في القبور

أول ما يكون في ذلك: ما يتعلق بالقبر، أول ما يكون في ذلك من أمور الإيمان باليوم الآخر: ما يتعلق بالقبر.

وعمومًا ما يتعلق بالقبر:

  1. الفتنة التي تكون في القبور، هذا واحد.
  2. النعيم أو العذاب، نعيم القبر أو عذابه.

أما الفتنة -فتنة القبر- فإنه قد ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام التعوذ بالله من فتنة القبر ومن عذاب القبر ((رواه البخاري: 6367، ومسلم: 2706.)).

هما أمران: فتنة القبر، وعذاب القبر.

أما فتنة القبر: فهي مجيء الفتَّانَين (ملكان)، وجاء في بعض النصوص تسميتهما بـ"المنكر" و"النكير"، إتيانهما إلى من أُدخل في قبره، ويُجلسانه.

انظر، هذا عالم القبور شيءٌ آخر، والله لا يُعجزه شيءٌ سبحانه، أنت الآن عندما ترى الميت الذي وُضع في قبره، ليس هناك مكان جلوسٍ، قال: يُجلسانه، وهذه أمورُ غيبٍ، نؤمن بها ونوقن ونُصدِّق، يجلسانه ويسألانه: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ ((رواه أبو داود 4753، وأحمد: 18534، وقال محققو المسند: إسناده صحيح.))، ثلاثة أسئلةٍ.

والأسئلة محددةٌ من الآن معروفةٌ، الأسئلة التي تكون في القبر هي محددةٌ، ثلاثة أسئلةٍ: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟

وفي ذلك الموطن إما ثباتٌ أو ضلالٌ، قال الله جل وعلا: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27].

جاء عن البراء بن عازبٍ في هذه الآية: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، قال: "التثبيت في الحياة الدنيا: إذا أتاه الملكان في القبر فقالا له: من ربك؟ فقال: ربي الله، فقالا له: ما دينك؟ قال: ديني الإسلام، فقالا له: من نبيك؟ فقال: نبيي محمد ، فذلك التثبيت في الحياة الدنيا".

فإذنْ القبر فيه فتنةٌ، وفيه سؤال الملكين، سؤال المقبور: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ وقد جاء في "صحيح البخاري" من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي قال: إنكم تُفتنون في قبوركم فتنةً مثل -أو قريبًا- من فتنة المسيح الدجال ((رواه البخاري: 86، ومسلم: 905.))، يعني فتنةً عظيمةً تقع للناس في قبورهم.

وقد جاء في حديث أنسٍ أن النبي قال: العبد إذا وُضع في قبره وتولى وذهب أصحابه، حتى إنه ليسمع قرع نعالهم؛ أتاه ملكان فأقعداه، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد ؟ فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال: انظر إلى مقعدك من النار، أبدلك الله به مَقعدًا من الجنة، قال النبي : فيراهما جميعًا -يعني المقعدين، يراهما جميعًا- قال: وأما الكافر فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس، فيقال له: لا دَرَيت ولا تَلَيت! ثم يُضرب بمطرقةٍ من حديدٍ ضربةً بين أذنيه، فيصيح منها صيحةً يسمعها من يليه، إلا الثقلين ((رواه البخاري: 1338، ومسلم: 2870.))، متفقٌ عليه.

فهذا فيما يتعلق بفتنة القبر، وأن الناس يُفتنون في قبورهم.

وإذا عرف المسلم أن هناك فتنةً في القبر، وعرف أيضًا نوع الفتنة، وأنها اختبارٌ، وأن هذا الاختبار في أمورٍ ثلاثةٍ: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ فإنه يجب عليه؛ نصحًا لنفسه، وطلبًا لنجاتها وفوزها وسلامتها؛ أن يُعنى بهذه السؤالات الثلاثة، يُعنى بأجوبتها وضبطها وإقامة نفسه عليها: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟

وقد أكرم الله الإمام المُجَدِّد المصلح، شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى، فكتب في هذه الأصول الثلاثة رسالةً عظيمةً جدًّا، يحتاج إليها كل مسلمٍ: وهي رسالة "الأصول الثلاثة"، سماها بهذا الاسم "الأصول الثلاثة"، خصصها لهذه الأصول الثلاثة يُعرِّف المسلمين بها:

  • من ربك؟ في ضوء الأدلة يبين ماذا يتعلق بهذا الأصل: من ربك؟
  • من نبيك؟ يُبيِّن بالأدلة ما يتعلق بهذا الأصل العظيم.
  • ما دينك؟ أيضًا يُبيِّن بالأدلة ما يتعلق بهذا الأصل العظيم.

ولهذا أنا أنصح جميع الإخوة الكرام -حجاج بيت الله الحرام- أن يحملوا معهم هذه الرسالة؛ فإن فيها الخير لهم ولأهليهم وأولادهم وقراباتهم، ويتعاونوا على العناية بمعرفة هذه الأصول؛ لأن كل واحدٍ منا سيموت، وكل واحدٍ منا سيُدرج في قبره، وكل واحدٍ منا سيُسأل عن هذه الأصول الثلاثة، فمن المهم جدًّا أن يكون هناك دراسةٌ لها، وهذه الرسالة من أحسن ما يُعين العبد على معرفة هذه الأصول ودراستها وتعلمها.

والشيخ رحمه الله كتبها بأكثر من أسلوبٍ، من ضمن الأساليب التي كتب فيها هذه الأصول: كتابةٌ مختصرةٌ للعوام والمبتدئين، لخص فيها تلخيصًا مختصرًا لهذه الأصول، وكتبها موسعةً لطلاب العلم، بالأدلة والتفاصيل، وأنواعٍ من التفاصيل المهمة التي يحتاج إليها، تتعلق بهذه الأصول الثلاثة العظيمة.

الإيمان بعذاب القبر ونعيمه

بعد ذلك يأتي ما يتعلق بعذاب القبر ونعيم القبر؛ لأن أهل القبور هم أحد اثنين: إما مُنعَّمٌ، أو مُعذَّبٌ؛ إما مُنعَّمٌ في قبره، أو مُعذَّبٌ في قبره؛ مثلما قال الله عن قوم فرعون: وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ۝ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا [غافر:45-46]، هذا في الدنيا: غُدُوًّا وَعَشِيًّا، هذا عذاب القبر، وقوله تعالى: وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:100]، هذا القبر، وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ [السجدة:21]، هذا عذاب القبر؛ فدل على عذاب القبر القرآنُ.

ودلت عليه السنة في الأحاديث المتواترة عن رسول الله ، وجاء عنه التعوذ بالله من عذاب القبر ((رواه البخاري: 2823، ومسلم: 2706.))، وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: عذاب القبر حقٌّ ((رواه البخاري: 1373.)).

فالقبر فيه عذابٌ وفيه نعيمٌ؛ إما أن يكون لصاحبه روضةً من رياض الجنة، أو يكون لصاحبه حفرةً من حفر النار.

وقد جاء في حديث البراء -وهو حديثٌ طويلٌ في ذكر قبض روح المؤمن، وأيضًا قبض روح الكافر- تفاصيل تتعلق بذلك؛ ومنها: ما يتعلق بهذا النعيم أو العذاب الذي في القبر، فذكر في الحديث -حديث البراء - بعد سؤال الميت: فيُنادي منادٍ من السماء أن قد صدق عبدي، بعد أن يجيب الإجابات الصحيحة المسددة على السؤالات الثلاثة المتعلقة بالقبر، قال: أن قد صدق عبدي، فأفرِشوه من الجنة هذا في القبر، وافتحوا له بابًا إلى الجنة، وألبسوه من الجنة، فيأتيه من رَوْحِها وطِيبها، ويُفتح له فيها مدَّ بصره.

قال: وإن الكافر وذكر موته وقبض روحه ثم قال: فيُنادى من السماء: أن كذب، فأفرشوه من النار، وألبسوه من النار، وافتحوا له بابًا إلى النار، فيأتيه من حرِّها وسَمُومِها، ويُضيَّق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ((رواه أبو داود: 4753، وأحمد: 18534، وقال محققو المسند: إسناده صحيح.))، رواه أحمد.

هذا كله من الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بفتنة القبر، والإيمان بعذاب القبر، وكذلك الإيمان بنعيم القبر.

النفخ في الصور يوم القيامة

بعد ذلك: النفخ في الصور، وهذا دل عليه القرآن، ودلت عليه السنة.

يقول الله جل وعلا: وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ [النمل:87]، وقال جل وعلا: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ [الزمر:68]، في هاتين الآيتين ذُكرت نفخاتٌ للصور، و"الصور": هو قرنٌ يُنفخ فيه.

وقد صح عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: كيف أنْعَم وقد التقم ملَك الصُّور الصُّور، وأصغى بسمعه ينتظر أن يُؤمر ((رواه الترمذي: 3243، وأحمد: 11039، بلفظ: "‌كيف ‌أنعم ‌وقد التقم صاحب القرن القرن؟!"، وقال الترمذي: حديث حسن، وصححه الألباني.))، يعني أن يُؤمر بالنفخ في الصور.

والنفخات في الصور ثلاثةٌ، هذا خلافٌ بين أهل العلم؛ بعضهم يقول: هما نفختان، وبعضهم يقول: ثلاث نفخاتٍ.

  • النفخة الأولى جاءت في قوله : وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ [النمل:87]، وتُسمى هذه "نفخة الفزع".
  • والنفختان الأخريان: نفخة الصعق، ونفخة القيام، وهاتان جُمعتا في قوله تعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ [الزمر:68]. فهي ثلاث نفخاتٍ في الصور، وُكِّل بهذا النفخ ملكٌ من الملائكة، كما مر معنا في الحديث، أُمر بالنفخ فيه.

البعث من القبور

بعد هذا النفخ -وخاصة النفخة الثالثة- يكون البعث، يكون البعث من القبور، فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ [الزمر:68]، هذا البعث يكون بعد النفخة الثالثة، وهي آخر النفخات، يكون بعدها البعث والقيام من القبور، ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ۝ ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنشَرَهُ [عبس:21-22]، قال جل وعلا: وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ [الإنفطار:4]، معنى بُعْثِرَتْ: حُرِّكت، فيخرج مَن فيها من الأموات، يخرجون من قبورهم أجمعون قيامًا لرب العالمين؛ فهذا البعث، الإيمان به هو من الإيمان باليوم الآخر، وقد قال الله عن الكفار: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ [التغابن:7]، البعث الذي هو القيام لرب العالمين، قيام الناس أجمعين من قبورهم لرب العالمين للجزاء والحساب، هذا أيضًا من الأمور التي هي من الإيمان باليوم الآخر.

حشر الناس يوم القيامة

بعد ذلك يأتي الحشر، حشر الناس وجمعهم، الأولين والآخرين، على صعيدٍ واحدٍ، فيقفون موقفًا عظيمًا، ويومًا طويلًا مقداره: خمسون ألف سنةٍ؛ كما جاء في ذلك النصوص؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: يُحشر الناس عراةً حفاةً، قالت عائشة رضي الله عنها: الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال عليه الصلاة والسلام: الأمر أعظم من ذلك ((رواه البخاري: 6527، ومسلم: 2859، بنحوه.)).

وجاء في حديث عبدالله بن أنيسٍ  قال النبي عليه الصلاة والسلام: يُحشر الناس عراةً حفاةً بُهْمًا، قالوا: وما "بُهْمًا" يا رسول الله؟ قال: ليس معهم من الدنيا شيءٌ، فيُناديهم الله بصوتٍ يسمعه من بَعُد كما يسمعه من قَرُب، يقول: أنا الملك، أنا الديَّان، ثم يقول : لا ينبغي لأحدٍ من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحدٍ من أهل النار عليه مظلمةٌ حتى أقتصها منه، ولا ينبغي لأحدٍ من أهل النار أن يدخل النار ولأحدٍ من أهل الجنة عليه مظلمةٌ حتى أقتصها منه، قالوا: يا رسول الله، وكيف ذاك وهم إنما جاءوا بُهْمًا؟

"كيف ذاك" يعني: كيف يكون هذا القصاص؟ قال عليه الصلاة والسلام: بالحسنات والسيئات ((رواه أحمد: 16042، وابن أبي شيبة: 851، بنحوه، وذكره البخاري معلقا مختصرا (9/ 141)، وقال محققو المسند: إسناده حسن.)).

ويختلف حشر المؤمن عن الكافر، في أواخر سورة مريم يقول الله : يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَٰنِ وَفْدًا ۝ وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْدًا [مريم:85-86]، فحشر المؤمن يختلف عن حشر الكافر، وأيضًا يوم المؤمن في الوقوف وتهوينه على المؤمن يختلف عن يوم الكافر؛ ولهذا جاء في حديثٍ في "المستدرك": أن الوقوف بالنسبة للمؤمن في يوم الحشر يُهوَّن عليه حتى يكون كما بين صلاتي الظهر والعصر ((رواه الحاكم: 285-286، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: ‌‌2456.)).

وذُكرت الصلاتان؛ لأن الصلاة لها أثرها في تهوين الموقف؛ لأنهما موقفان يقفهما العبد بين يدي الله:

  1. موقفٌ في الدنيا، وهو هذه الصلاة.
  2. وموقفٌ في الآخرة، الموقف العظيم الذي بين يدي الله .

ومن كان من أهل الصلاة، يُحسِن الوقوف بين يدي الله جل وعلا في الأوقات الخمسة التي افترضها الله سبحانه على عباده؛ سيكون وقوفه في ذلك اليوم سهلًا هيِّنًا، يُهوِّنه الله عليه، ويُيسِّره تبارك وتعالى له.

يقف الناس في ذلك الموقف يومًا طويلًا، ويفزعون إلى الأنبياء يطلبون منهم الشفاعة عند الله في أن يبدأ بالحساب والجزاء، أن يبدأ جل وعلا بالجزاء والحساب، فيأتون إلى آدم يطلبون منه أن يشفع لهم عند الله جل وعلا، فيعتذر ويُحيلهم إلى نوحٍ، ويعتذر نوحٌ ، ويُحِيلهم إلى إبراهيم ويعتذر  ويُحيلهم إلى موسى، ويعتذر  ويُحيلهم إلى عيسى، ويعتذر ويُحيلهم إلى محمدٍ ، وكل واحدٍ من هؤلاء يعتذر ويُبدي عذره كما جاء في الحديث، وإذا أحالهم عيسى إلى محمدٍ ؛ قال: أنا لها، ثم يقول عليه الصلاة والسلام: أسجُد سجدةً تحت العرش يُعلِّمني الله جل وعلا فيها من محامده وحُسن الثناء عليه ما لا أُحسنه الآن، ثم يُقال: ارفع رأسك، وسَل تُعطَ، واشفع تُشفَّع، وهذا هو المقام المحمود الذي يغبطه الأولون والآخرون في قوله تعالى: عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا [الإسراء:97]، فيشفع عليه الصلاة والسلام للناس -للعالمين- عند الله أن يأتي للفصل بين العباد ((رواه البخاري: 7510، ومسلم: 193.)).

قال جل وعلا: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ۝ وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى [الفجر:22-23]، جهنم -أعاذنا الله منها- في ذلك اليوم يُجاء بها، وجاء في الحديث الذي في "الصحيح" عن نبينا عليه الصلاة والسلام قال: يُؤتى يَومئذٍ بجهنم، ولها سبعون ألف زمامٍ، مع كل زمامٍ سبعون ألف ملكٍ يجرُّونها ((رواه مسلم: 2842.))، يُؤتى بها تُسحب، وتأتي وفيها تغيُّظٌ وزفيرٌ على الكفار، ويسمعون ذلك، فهذا أيضًا من التفاصيل المتعلقة بذلك اليوم: الحشر، ووقوف الناس ذلك الموقف العظيم، إلى أن يفصل الله بين العباد، هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [الأنعام:158].

العرض والحساب

بعد ذلك: العرض والحساب.

العرض: عرض الأعمال، والحساب: المجازاة على الأعمال، يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:18]، قال : إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ۝ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ [الغاشية:25-26]، قال جل وعلا: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ۝ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ۝ وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُورًا ۝ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ ۝ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا ۝ وَيَصْلَىٰ سَعِيرًا [الأنشقاق:7-12].

فهناك عرضٌ للأعمال، وصحف الأعمال، وآخذٌ كتابه بيمينه، أو آخذٌ كتابه بشماله، ومن وراء ظهره.

قال : فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ۝ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ۝ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ۝ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ۝ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ ۝ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ۝ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ ۝ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ۝ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ ۝ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ ۝ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ۝ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ۝ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ۝ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ [الحاقة:19-32].

جاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها، زوج النبي ، وكانت رضي الله عنها لا تسمع شيئًا لا تعرفه إلا وراجعت النبي فيه حتى تعرفه، وجاء في هذا الحديث أن النبي قال: من نُوقِشَ الحساب؛ عُذِّب، فقالت عائشة رضي الله عنها: أوليس الله يقول: فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ۝ وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُورًا [الإنشقاق:8-9]؟ والحديث: من نُوقِشَ الحساب؛ عُذِّب، فأشكل عليها الحديث مع الآية: فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا، فبيَّن لها النبي ، قال: إنما ذلك العرض، الحساب الذي يكون للمسلم ليس مناقشةً، وإنما عرضٌ، تُعرض أعماله عليه، قال: إنما ذلك العرض، ولكن من نوقش الحساب؛ يهلك ((رواه البخاري: 103، ومسلم: 2876.))، وهذا الحديث في "صحيح البخاري".

والعرض المشار إليه في هذا الحديث جاء تفصيلٌ له في حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: يُدنى المؤمن يوم القيامة من ربه ، حتى يضع عليه كَنَفَه، فيُقرِّره بذنوبه، يقول له: هل تعرف؟ فيقول: أي رب، أعرف، يعني ذنب كذا، وذنب كذا، وذنب كذا، يُقرّره بذنوبه، قال: فيقول الله جل وعلا: فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وإني أغفرها لك اليوم، فيُعطَى صحيفة حسناته أي: بيمينه، وأما الكفار والمنافقون: فيُنادَى بهم على رءوس الخلائق: هؤلاء الذين كذبوا على الله ((رواه البخاري2441، ومسلم: 2768.)).

نشر الدواوين وتطاير الصحف

أيضًا بعد ذلك نشر الدواوين (دواوين الأعمال)، وهذه الدواوين كُتب فيها كل ما عمله المرء من خيرٍ أو شرٍّ، في دواوين أحصت كل ما عمل، وفيها يقول الله جل وعلا: وَإِذَا الصُّحُفُ أي: صحف الأعمال نُشِرَتْ [التكوير:10].

فتُنشر هذه الدواوين وفيها أعمال العباد، وهذه الدواوين عندما تُنشر؛ تُوزن يوم القيامة؛ ولهذا أيضًا من الأصول أو مما يتعلق بهذا الأصل (الإيمان باليوم الآخر): الإيمان بوزن الأعمال.

وزن الأعمال يوم القيامة

قال الله : وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا [الأنبياء:47]، وقال جل وعلا: وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ۝ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ [الأعراف:8-9]، ميزانٌ يُنصب يوم القيامة، يوضع له كفتان: كفةٌ توضع فيها الحسنات، وكفةٌ توضع فيها السيئات.

وقد جاء في الحديث أن النبي قال: يُصاح برجلٍ من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة، ويُنشر له تسعةٌ وتسعون سجلًّا هذه كلها سيئاتٌ، ويُنشر له تسعةٌ وتسعون سِجِلًّا، كل سجلٍّ منها مدُّ البصر، فيقال له: أتُنكِر من ذلك شيئًا؟ فيقول الرجل: لا يا رب، فيقال: ألك حسنةٌ؟ فيهاب الرجل ويقول: لا، فيقال: إنك لا تُظلم، فيُخرَج له بطاقةٌ، فيها: أشهد أن لا إله إلا الله، فيقول الرجل: وما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ قال: فتوضع البطاقة في كفةٍ والسجلات في كفةٍ، فثقلت البطاقة وطاشت السجلات، ولا يثقل مع اسم الله شيءٌ ((رواه الترمذي: 2639، ابن ماجه: 4300، بنحوه، وصححه الألباني.))، وهذا فيه فضل التوحيد، وفضل كلمة التوحيد إذا صدق المرء فيها مع الله.

ولعل هذا الرجل -صاحب البطاقة- كانت هذه الكلمة خاتمة عمله، مات عليها صادقًا ومخلصًا، وعظُم توحيده ومات على ذلك، فكان له هذا الأثر العظيم، وإلا فقد دلت النصوص على أن عددًا من الذين يقولون: "لا إله إلا الله" تُوبقهم ذنوبهم؛ لكثرتها فيدخلون النار؛ ليُطهَّروا من ذنوبهم؛ كما جاء في الحديث: أخرجوا من النار من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه أدنى مثقال ذرةٍ من إيمانٍ ((رواه البخاري: 7410، ومسلم: 193، بنحوه.)).

فإذنْ هناك ممن يقولون: "لا إله إلا الله" وعندهم إيمانٌ، يدخلون النار بسبب ذنوبٍ أوبقتهم وأهلكتهم، فدخلوا بسببها النار؛ ليُطهَّروا ويُمحَّصوا من تلك الذنوب.

الورود على الحوض

هناك أيضًا من الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بالحوض المورود في عرصات يوم القيامة، وجاء في سنة النبي عليه الصلاة والسلام وصفٌ لهذا الحوض، كما في "صحيحي البخاري ومسلم" أن النبي قال: حوضي مسيرة شهرٍ، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منه شربةً لم يظمأ بعدها أبدًا ((رواه البخاري: 6579، ومسلم: 2292.)).

وجاء عن نبينا عليه الصلاة والسلام ذكر أناسٍ يُذادون عن الحوض، أي: يُمنعون من الشرب، فيقول عليه الصلاة والسلام: أُصَيْحابِي، أُصَيْحابِي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ((رواه البخاري: 4625، ومسلم: 2860.))، وهذا فيه خطورة الحدث في الدين، ومضرة الحدث في الدين والبدع والأهواء والضلالات على العبد؛ ولهذا العلماء يقولون: إن من نَهَلَ في الدنيا من السنة وارتوى منها؛ كان من أهل النَّهَل من الحوض. وأما من كان نَهَلُه من البدع؛ فإن البدع موجبةٌ للرد عن الحوض والنهل منه.

ولهذا ينبغي أن يُوطِّن المرء نفسه على السنة والاستمساك بها، والمحافظة عليها، والعناية بها.

ومما جاء أيضًا في الحوض: حديث أبي ذَرٍّ ، قال: قلت: يا رسول الله، ما آنية الحوض؟ قال: والذي نفس محمدٍ بيده، لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها، ألا إنه في الليلة المظلمة المُصْحِيَة، آنية الجنة مَن شرب منها لم يظمأ آخر ما عليه، يَشخُب فيه ميزابان ((يشخب فيه ميزابان: أي: يصبان بصوت وقوة دفع، والميزاب: المزراب، وهو أنبوبة من الحديد ونحوه تركب في جانب البيت من أعلاه لينصرف منها ماء المطر المتجمع. ينظر: مشارق الأنوار للقاضي عياض (ش خ ب)، المعجم الوسيط (ز ر ب).)) من الجنة، من شرب منه لم يظمأ، عرضه مثل طوله، ما بين عمان إلى أيلة، ماؤه أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل ((رواه مسلم: 2300.))، رواه مسلمٌ.

العبور على الصراط

ثم بعد ذلك ما يتعلق بالجنة والنار، وهناك صراطٌ يُنصب على متن جهنم، والله جل وعلا يقول: وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا ۝ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [مريم:71، 72]، وهذا الوُرُود الذي ذُكر في الآية وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا هو في حق المؤمن: المرور على الصراط الذي يُنصب على متن جهنم.

جاء في حديث أبي سعيدٍ الخدري  قال: قال : ثم يُضرب الجسر على جهنم، وتحل الشفاعة، ويقولون: اللهم سلِّم سلِّم، قيل: يا رسول الله، وما الجسر؟ قال: دَحْضٌ مَزَلَّةٌ، فيه خطاطيف وكلاليب، وحَسَكٌ تكون بنجد، فيها شويكةٌ يُقال لها: السَّعْدان، قال: فيمر المؤمنون كطرف العين، وكالبرق، وكالريح، وكالطير، وكأجاويد الخيل والركاب، فناجٍ مسلَّمٌ، ومخدوشٌ مرسَلٌ، ومكدوسٌ في النار، قال أبو سعيدٍ : بلغني أن الجسر أدق من الشعرة، وأحد من السيف ((رواه البخاري: 7439، ومسلم: 183)).

هذا الصراط، جسرٌ يُنصب على متن جهنم، وليس هناك طريقٌ للجنة إلا ماذا؟ إلا من فوق هذا الصراط.

ثم يتفاوت أهل الإيمان في المرور على هذا الصراط بحسب التفاوت في الأعمال؛ فمنهم من يمر كالبرق، ومنهم من كأجاويد الخيل وكركاب الإبل، ومنهم من يمشي مشيًا، ومنهم من يزحف زحفًا، ومنهم من يُكردس ويُلقى في نار جهنم، أعاذنا الله منها وعافانا ونجَّانا.

بعد الصراط: إما زحزِحةٌ إلى الجنة، وهذا بالعبور: فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185]، وإما والعياذ بالله، سقوطٌ في النار، ومن يسقطون في النار من أهل الإيمان دخولهم فيها ليس دخول تخليدٍ وتأبيدٍ كما هو دخول الكافر؛ لأن دخول الكافر يختلف؛ الكافر يُؤتى به يمشي على وجهه، ويُحشر على وجهه، ويمشي على وجهه إلى أن يُكبَّ في نار جهنم على وجهه.

وأما مسألة العبور: هذه لأهل الإيمان على الصراط، ويتفاوتون في العبور؛ منهم من يسقط، بسبب ماذا؟ ذنوبٍ، بسبب ذنوبٍ أوبقته وأهلكته، فيسقط ويدخل النار، لكن لا يكون دخوله فيها دخول تخليدٍ وتأبيدٍ، وإنما دخول تطهيرٍ وتمحيصٍ، ولهذا جاء في "الصحيح" من حديث أبي سعيدٍ  أنهم يخرجون من النار ضبائر ضبائر ((رواه مسلم: 183.))؛ أي: دفعاتٍ دفعاتٍ، لا يخرج هؤلاء العصاة من النار دفعةً واحدةً، وإنما يخرجون دفعاتٍ، لماذا؟ لأن الأمور التي أوجبت دخولهم النار متفاوتةٌ؛ ولهذا يتفاوتون في خروجهم من النار، والله جل وعلا يقول: فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185].

الخلود الأبدي

بعد ذلك، إما النعيم المقيم في الجنة، أو العذاب.

العذاب، وهو في حق الكافر عذابٌ أبديٌّ دائمٌ، لأنه -كما قدمنا- إذا أُخرج العصاة من النار ولم يبقَ في النار إلا أهلها الذين هم أهلها؛ يُؤتى بكبشٍ، ويُجعل بين الجنة والنار، وينادى أهل الجنة، ثم ينادى أهل النار، ويقال لهم: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، كلهم يعرفه؛ لأن كلهم قد ذاقه، فيعرفونه، فكلهم يقولون: نعم، هذا الموت، فيُذبح بين الجنة والنار، ويقال: يا أهل الجنة، خلودٌ فلا موت، ويا أهل النار، خلودٌ فلا موت ((رواه البخاري: 4730، ومسلم: 2849.)).

جاء في حديث أنسٍ  عن نبينا  قال: يُؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يعني: أكثر الناس نعيمًا في الدنيا وهو من أهل النار، يؤتى به يوم القيامة فيُصبغ في النار صَبغةً صبغةً يسيرةً، ثم يقال له: يا ابن آدم، هل رأيت خيرًا قَطُّ؟ هذا أنعم أهل الدنيا، هل رأيت خيرًا قَطُّ؟ هل مرَّ بك نعيم قَطُّ؟ فيقول: لا والله يا رب، غمسةً واحدةً في النار ينسى بها كل النعيم الذي كان فيه في الدنيا، وهو أنعم أهل الدنيا، أكثر أهل الدنيا نعيمًا، قال: ويُؤتى بأشد الناس بؤسًا في الدنيا من أهل الجنة، فيُصبَغ صَبغةً في الجنة صبغةً واحدةً، لحظةً يسيرةً، فيُقال له: يا ابن آدم، هل رأيت بؤسًا قطُّ؟ هل مرَّ عليك شدة قَطُّ؟ فيقول: لا، غمسة يسيرة في نعيم الجنة، ينسى بها كل البؤس والشدائد التي كانت مرّت عليه في الدنيا، فيقول: لا والله يا رب، ما مرّ بي بؤسٌ قطُّ، ولا رأيت شدة قَطُّ ((رواه مسلم: 2807.))، وهذا رواه مسلمٌ في كتابه "الصحيح".

فهذا شيءٌ مما يتعلق بهذا الأصل العظيم، والتفاصيل المتعلقة به واسعةٌ، وبعض أهل العلم كتبوا فيه مجلداتٍ.

أثر الإيمان باليوم الآخر

والحاصل: أن المسلم ينبغي أن تَعظم عنايته بهذا الأصل واستذكاره له، وعنايته بمعرفة التفاصيل المتعلقة به؛ لأن هذا الإيمان كلما قوي أثره، مثلما قال الله : وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [الأنعام:92]، وقال في الآية الأخرى: إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ ۝ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ [الطور:26-27]، فالإيمان بالآخرة كلما قوي في العبد، كلما تمكَّن في القلب؛ ظهرت آثاره.

درجات الإيمان باليوم الآخر

ولهذا قال العلماء رحمهم الله: إن الإيمان باليوم الآخر على درجتين:

  1. الإيمان الجازم.
  2. والإيمان الراسخ.

الإيمان الجازم: هذا الذي لا يُقبل عملٌ إلا به، أن يكون عند الإنسان جزمٌ ويقينٌ أن هناك يومًا آخر، وأن هناك بعثًا وحسابًا وجزاءً، فإذا كان عنده شكٌّ في ذلك؛ فالشك كفرٌ ومُحبِطٌ للعمل، فالإيمان الجازم هو الذي لا ينفع عملٌ إلا به.

والإيمان الراسخ: هذه الدرجة الثانية، هو الإيمان المتمكِّن في القلب، الحاضر مع العبد في أحواله وأموره، تجده مثلًا إذا أرادت نفسه أن تتهاون في طاعةٍ أو فريضةٍ؛ استذكر مباشرة ماذا؟ اليوم الآخر والجزاء والحساب، إذا حدثته نفسه بمعصيةٍ؛ استذكر مباشرةً الحساب والجزاء والوقوف بين يدي الله ، فهذا يُقال له: الإيمان الراسخ، وكلما عظُمت عناية العبد بمعرفة التفاصيل المتعلقة بذلك اليوم؛ رسخ الإيمان في قلبه.

والقرطبي رحمه الله له كتابٌ هو من أوسع ما كُتب في هذا الباب (باب الإيمان باليوم الآخر)، سماه: "التذكرة" في علوم الآخرة، فهذا الكتاب من أوسع ما كُتب، وفيه تفاصيل واسعةٌ، وأيضًا له مختصرٌ نافعٌ جدًّا، لو وقف طالب العلم على مختصر هذا الكتاب وأفاد منه؛ ينفعه الله به، وكلُّ مسلمٍ بحاجةٍ إلى أن يقرأ عن اليوم الآخر، وأن يتأمل أيضًا في الآيات والنصوص والأحاديث النبوية المتعلقة بذلك اليوم.

وأسأل الله لنا أجمعين أن يُصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأن يُصلح دنيانا التي فيها معاشنا، وأن يُصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، وأن يجعل الحياة زيادةً لنا في كل خيرٍ، والموت راحةً لنا من كل شرٍّ.

اللهم اغفر لنا ذنبنا كله، دِقَّه وجِلَّه، أوله وآخره، علانيته وسره.

اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، أنت المُقدِّم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذراريهم، ولمشايخنا ولولاة أمرنا وللمسلمين والمسلمات.

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم وفِّق ولي أمرنا لهُداك، واجعل عمله في رضاك، وسدِّده في أقواله وأعماله.

اللهم وفِّقه وولي عهده لما فيه صلاح البلاد والعباد، ولما فيه عز الإسلام وصلاح المسلمين.

اللهم وفِّق جميع ولاة أمر المسلمين بكتابك، وتحكيم شرعك، واتباع سنة نبيك محمدٍ ، واجعلهم رحمةً ورأفةً على عبادك المؤمنين.

اللهم ولِّ على المسلمين أينما كانوا خيارهم، واصرف عنهم شرارهم يا رب العالمين.

اللهم فرِّج هم المهمومين من المسلمين، ونفِّس كرب المكروبين، واقضِ الدين عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم موتانا وموتى المسلمين.

اللهم أصلح ذات بيننا، وألِّف بين قلوبنا، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وأعذنا والمسلمين من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم أنجِ المستضعفين من المسلمين، واحقِن دماءهم يا رب العالمين، واحفظهم بما تحفظ به عبادك الصالحين.

اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يُعجزونك، اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم.

اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم.

اللهم إنا نسألك الجنة وما قرَّب إليها من قولٍ أو عملٍ، ونعوذ بك من النار وما قرَّب إليها من قولٍ أو عملٍ.

اللهم إنا نسألك من خير ما سألك منه عبدك ورسولك محمدٌ ، ونعوذ بك من شر ما عاذ منه عبدك ورسولك محمدٌ ، وأن تجعل كل قضاءٍ قضيته لنا خيرًا.

ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النّار.

اللهم يا مُقلِّب القلوب ثبِّت قلوبنا على دينك.

اللهم إنا نسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مُضِرَّةٍ، ولا فتنةٍ مُضِلَّةٍ، اللهم زيِّنَّا بزينة الإيمان، واجعلنا هُداةً مُهتدين.

اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تُبلِّغنا به جنتك، ومن اليقين ما تُهوِّن به علينا مصائب الدنيا.

اللهم متِّعنا بأسماعنا وأبصارنا ما أحييتنا، واجعلها الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همِّنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تُسلِّط علينا من لا يرحمنا.

اللهم يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا رب العالمين، أصلح لنا أجمعين النية والذرية والعمل.

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك نبينا محمدٍ وآله وصحبه أجمعين.

logo

شركاء النجاح

logo

جميع الحقوق محفوظة لرئاسة الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي